18/12/2021 - 21:00

حوار | غزاوي: مقاربات إسرائيلية حول حظر الحركة الإسلامية

أعاد إطلاق سراح الشيخ صلاح من جهة وإيغال الحركة الإسلامية الجنوبية وقائمتها "العربية الموحدة" في انحرافهما الوطني، الذي توّج مؤخرا بتصويت أعضائها على قوانين معادية لشعبنا وأسرانا، إلى الأذهان قرار حظر الإسلامية الشمالية

حوار | غزاوي: مقاربات إسرائيلية حول حظر الحركة الإسلامية

استقبال الشيخ رائد صلاح في أم الفحم بعد خروجه من السجن (أ ب)

أعاد إطلاق سراح الشيخ رائد صلاح من جهة وإيغال الحركة الإسلامية الجنوبية وقائمتها الانتخابية "العربية الموحدة" في انحرافهما الوطني، الذي توّج مؤخرا بتصويت أعضائها على قوانين معادية لشعبنا وأسرانا، إلى الأذهان قرار حظر الحركة الإسلامية الشمالية التي شكلت الوجه الآخر لما يمكن تسميته اصطلاحا بـ"الإسلام السياسي" في ظروف الدولة الكولونيالية، التي نشأت على أنقاض شعبنا وحولتنا من أغلبية سيدة في وطنها إلى أقلية مضطهدة في الدولة اليهودية.

وفيما يحتاج السؤال المتعلق بانقسام الحركة الإسلامية إلى قطبين، يصل التنافر السياسي بينهما إلى درجة أن ينضوي أحدهما تحت جناح الائتلاف الصهيوني اليميني ويجلس في حضن حكومة إسرائيل، فيما يُحظر الآخر ويتم إخراجه عن القانون ويجلس رئيسه في سجونها.

في هذا التوقيت يكتسب كتاب ساهر غزاوي بعنوان "مقاربات إسرائيلية حول حظر الحركة الإسلامية" الذي صدر مؤخرا، أهمية خاصة كونه يستحضر الوجه الآخر لما يسمى "الإسلام السياسي" في الظرف الكولونيالي الذي مثلته الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، ويلقي الضوء على أسباب قمعه من قبل إسرائيل من خلال معالجة قرار الحظر، مقدماته وتداعياته.

د. مهند مصطفى الذي قدم للكتاب اعتبر القرار الذي "اتخذته الحكومة الإسرائيلية في أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بحظر الحركة الإسلامية، نقطة تحول تاريخية في العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين في مناطق الـ48، لما يمثله من تغيير لقواعد اللعبة بين الجمهور العربي الفلسطيني والمؤسسة الإسرائيلية".

وأكد مصطفى أن "الحركة الإسلامية تيار مركزي في المجتمع الفلسطيني، وحظرها كان ضربة للعمل السياسي الفلسطيني في الداخل، كونها شكلت تيارا سياسيا - أيديولوجيا متغلغلا في كل شرائح المجتمع العربي وطبقاته ومناطق وجوده"، وأن "النقاش والاختلاف معها في أجنداتها السياسية والاجتماعية لا يقدم تبريرا أخلاقيا لدعم حظرها"، مشيرا إلى أن "ضعف رد الفعل على حظرها يدل على هشاشة سياسية وتنظيمية وربما قصور في الوعي لما تمثل هذه الخطوة من منعطف تاريخي، وأن ما حدث من كسر لقواعد اللعبة لاحقا في السنوات الست الأخيرة كان نتاج حظر الحركة الإسلامية".

ويندرج حظر الحركة الإسلامية، كما يقول، في "محاولة النظام الإسرائيلي إضعاف سياسات التنظيم في المجتمع الفلسطيني التي تنطلق من تنظيم المجتمع وبناء مؤسساته الوطنية ضمن مشروع سياسي واضح المعالم يجمع بين قضايا الناس اليومية والخطاب الوطني والسياسي، خاصة وأنها رفعت خطابا وطنيا إسلاميا وإسلاميا وطنيا كان في مركز التواصل مع مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، هذه المدينة التي تحولت إلى ملتقى الفلسطينيين وجسدت وحدة الشعب الفلسطيني، وكان للحركة الإسلامية دورا كبيرا في هذا الشأن ولذلك حُظرت".

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الصحافي والكاتب ساهر غزاوي، حول الكتاب ومقاربات الحظر ومالاته.

"عرب 48": يعتبر قرار حظر الحركة الإسلامية (الشمالية) ومواصلة ملاحقة قادتها مقابل ما آلت إليه حالة الجنوبية، بمثابة تجسيد حي لسياسة العصا والجزرة التي ما زالت تستعملها إسرائيل في تعاملها مع جماهيرنا الفلسطينية والمتمثلة بضرب "المتطرفين" وتشجيع المعتدلين، ويتمثل هذا التشجيع في الحقيقة ببعض الفتات؟

غزاوي: في الحقيقة تعتبر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني نموذجا فريدا للصحوة الإسلامية أو ما يسمى بلسان الباحثين بـ"الإسلام السياسي"، يختلف عن مفهوم "الإسلام السياسي" الكلاسيكي، لأن الحركة لا تطمح للوصول إلى السلطة في الدولة الإسرائيلية. كما لا يمكن التعامل مع نشاطها السياسي في الداخل على غرار نشاط الحركات الإسلامية في الدول الأوروبية.

وكما هو معروف، فإن الحركة الإسلامية التي نشأت في الثمانينيات تحولت في التسعينيات إلى حركة مركزية بين جماهيرنا، قبل أن تنشق عام 1996 على خلفية الموقف من انتخابات الكنيست إلى تيارين؛ الأول وهو الرافض للمشاركة بقيادة الشيخ رائد صلاح، والثاني الذي ذهب للكنيست وقاده الشيخ الراحل عبد الله نمر درويش.

ونستطيع القول إن العلاقة بين الدولة (إسرائيل) وبين الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح اتسمت منذ بدايتها بالعداء والتصعيد التدريجي الذي وصل إلى نهايته بقرار الحظر عام 2015. فمنذ العام 1996 بدأت مرحلة جديدة في تعامل الدولة الإسرائيلية مع الحركة الإسلامية، حيث أخذ صناع القرار الإسرائيليين ينظرون للحركة الإسلامية (الشمالية) كتهديد إستراتيجي.

وأسهم صعود اليمين الإسرائيلي إلى السلطة، وإفساحه المجال للمنظمات اليهودية المتطرفة لترفع صوتها وتطالب جهارا بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه وردود فعل الحركة الإسلامية، في تغذية هذا التوجه ووضع الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح في دائرة الاستهداف.

"عرب 48": الانشقاق الذي خلق "نموذجين إسلاميين" سهل على المؤسسة إجراء عملية المقارنة والاختيار، بمعنى أن ممارسة المرونة والاعتدال الزائد أو غير الزائد عن الحد من قبل الجنوبية أظهر الحركة الإسلامية (الشمالية) كحركة متطرفة؟

الصحافي ساهر غزاوي

غزاوي: الحركة الإسلامية (الشمالية) ذهبت باتجاه الفعل الذي يعتمد العمل على الأرض، وهي في سياق قضية الأقصى المبارك عكفت على تنظيم حملة للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك تحت شعار "الأقصى في خطر" والتي لم تقتصر على المهرجان السنوي الحاشد بل شملت تسيير عشرات الحافلات أسبوعيا إلى رحاب الأقصى، ساهمت في فك الحصار وإنعاش اقتصاد القدس الشريف، وشملت أيضا مشاريع إعمار في المسجد الاقصى ومحيطه ونجحت في ربط ألأقصى بالهم الوطني لدى فلسطينيي الداخل وتأصيل علاقتهم به، وهو ما أثار غضب المؤسسة الإسرائيلية.

وفي وثيقة قدمها "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" لحكومة أريئيل شارون في آذار/ مارس 2004، جاء أنه "وفق كل المعايير، فإن الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح تمثل خطرا استراتيجيا على دولة إسرائيل ومستقبلها وذلك لحرص الحركة الدؤوب على نزع الشرعية عن إسرائيل، وتماثلها مع أعداء الدولة".

كما أن شعار المجتمع العصامي الذي رفعته ومارسته الحركة الإسلامية (الشمالية) على الأرض، من خلال تشكيل عشرات الجمعيات التي تعنى بمختلف مناحي حياة الفلسطينيين قد أثار المؤسسة الإسرائيلية كثيرا، إذ اعتبرته مشروعا انفصاليا ومسعى لبناء حكم ذاتي ودولة مستقلة، وكان أحد المحاور التي سئل عنها الشيخ رائد صلاح في لجنة "أور".

وفي الورقة التي قدمها جهاز الأمن العام (الشاباك) وأرفقتها النيابة العامة في لائحة الاتهام ضد الشيخ رائد صلاح وإخوانه، جاء أنه "في السنوات الأخيرة في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر كثفت الحركة الإسلامية من نشاطها وبدأت ببناء بنية أساسية مؤسسية بديلة في مجالات الحياة المختلفة، وذلك بهدف خدمة الجماهير العربية حسب المنظور الإسلامي، ولقطع التبعية بين الوسط العربي وبين دولة إسرائيل ومؤسساتها، وذلك كتعبير عن رؤية الشيخ رائد صلاح، المستخلصة من الأحداث، بإقامة مجتمع يعتمد على ذاته (مجتمع عصامي)، بشكل يمكن الحركة الإسلامية من تطوير خطها الانفصالي الذي تؤمن به، وعلى ضوء ذلك توسعت مجالات الدعوة لمشاريع مثل إقامة مدارس ومستشفيات وحتى إقامة أطر اقتصادية".

"عرب 48": لقد وضعت أصبعك على محورين هامين في مشروع الحركة الإسلامية (الشمالية)، القدس والأقصى والمجتمع العصامي، اللذان كانا سببا مباشرا لتصادمها مع السلطة وإخراجها عن القانون...

غزاوي: صحيح، الأقصى و"المجتمع العصامي" هما محوران هامان، إلا أن الحركة الإسلامية (الشمالية) انتقدت، برأي الباحثين، التوجه للانخراط في المنظومة الإسرائيلية من خلال المشاركة في انتخابات الكنيست، كما رفضت أوسلو وعدم التنازل عن ملف اللاجئين وملف القدس والأقصى، وبذلك رفضت الانخراط في اللعبة الإقليمية.

ويمكن القول إن ملاحقة الحركة الإسلامية بدأت عمليا منذ لحظة ولادتها الثانية بعد الانشقاق في العام 1996، حيث داهمت قوات الأمن الإسرائيلية لجنة الإغاثة الإسلامية في الناصرة وصادرت أموالها وممتلكاتها.

لقد جرى استهداف ما سمي إعلاميا بـ"الجناح الشمالي" منذ لحظة الانشقاق عندما قرر عدم الذهاب للكنيست، واعتبر أنه "الجناح المتعنت والمتطرف"، "الجناح الذي يتآمر ضد الدولة" وما شابه ذلك من اتهامات، اقترنت لاحقا بملاحقات واعتقالات ومداهمات لكوادر وقيادات ومؤسسات الحركة الإسلامية.

"عرب 48": طبعا؛ المقارنة جرت مع الجناح الآخر الذي اختار المشاركة في انتخابات الكنيست والتعاطي مع رموز الدولة؟

غزاوي: المؤسسة حاولت من خلال أساليب الضغط والقمع التأثير على مواقف الحركة ودفعها إلى التنازل عن ثوابتها، كما سعت إلى مساومتها علنا مثلما يذكر الشيخ رائد صلاح في سياق الحديث عن محنة "رهائن الأقصى".

يقول الشيخ رائد إنه جاءنا أحد المحامين الذي نحبه ولا نشك فيه وجلس معنا في المعتقل، وقال لنا: جئتكم بعرض من المخابرات، ينص على إصدار بيان تصرحون فيه أنكم ستشاركون في انتخابات الكنيست وتتراجعون عن دوركم في نصرة المسجد الأقصى وتحترمون التعايش العربي الإسرائيلي، عندها ستبدأ المخابرات بمفاوضات معكم تنتهي بخروجكم من السجن.

"عرب 48": بالرغم من كل المقدمات والملاحقات المتواصلة، فإن قرار الحظر جاء مفاجئا وغير متوقع حتى بالنسبة لقيادة الحركة ذاتها، التي ربما أركنت إلى أن "الشاباك" كان يعارض حظر الحركة، وأن إسرائيل لم تلجأ إلى حظر تنظيم سياسي فلسطيني داخل الخط الأخضر منذ قرار حظر حركة الأرض في الستينيات؟

غزاوي: تعاظم قوة الحركة الإسلامية بين جماهير الداخل كان مصدر قلق لإسرائيل التي حاولت محاصرتها بوسائل مختلفة، دون اللجوء إلى استخدام أسلوب الحظر الذي كان يحذر "الشاباك" من عواقبه، إلا أن الضغط السياسي الداخلي إلى جانب ما يحدث في المنطقة وفي العالم، وخصوصا الانقلاب في مصر وحظر تنظيم الإخوان من قبل نظام السيسي، شجع نتنياهو على الإقدام على هذه الخطوة.

وقد شجع على ذلك أيضا وجهة نظر الشرطة التي ادعت أن ردود فعل العرب في إسرائيل ستكون خفيفة ويمكن السيطرة عليها، في حين أن تحييد الإسلام المتطرف بواسطة الأدوات القانونية ستكون له أهمية جوهرية. كما أن نتنياهو لم يواجه معارضة سياسية داخلية للخطوة حيث أعلن يتسحاق هرتسوغ، رئيس المعارضة في حينه، عن دعمه لقرار الحظر الذي كان بتغطية عربية رسمية ودولية.

ورغم معارضة "الشاباك" مبدئيا لإخراج الحركة الاسلامية عن القانون تخوفا من ردة الفعل الجماهيرية ولجوء جزء من عناصرها إلى العمل السري، إلا أن هذا الموقف تلاشى وسط حالة الإجماع التي سادت المستوى السياسي والأمني، وبعد أن جمع هو ذاته أدلة سمحت للجانب القانوني بعرض قدرته على الدفاع عن قرار الحظر في المحكمة العليا، حيث زعم "الشاباك" أنه جمع أدلة تثبت أن أعمال الحركة الإسلامية "غير قانونية"، وأن الأموال جاءت من حركة حماس والإخوان المسلمين.

"عرب 48": القرار شمل أيضا إغلاق 17 مؤسسة أهلية وخيرية ترتبط بعلاقة مع الحركة الإسلامية بينها مؤسسات إعلامية ولجان إغاثة وغيرها؟

غزاوي: في ساعات فجر يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 أعلنت حكومة نتنياهو آنذاك، أن المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) قد قرر حظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، وقد تزامن الإعلان مع اقتحام قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة، مكاتب 17 مؤسسة أهلية تابعة للحركة الإسلامية، وصلت لاحقا إلى نحو 25 مؤسسة وجمعية أهلية تقدم الخدمات الإنسانية والاجتماعية والتربوية لأبناء الداخل الفلسطيني، ما يكشف أن الاستهداف لم يكن سياسيا فقط، بل استهدف تدمير البنية المؤسسية والمجتمعية التي شكلت نواة المجتمع العصامي الذي سعت الحركة إلى بنائه.

القرار جاء موقعا من موشيه يعلون، وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، استنادا إلى أنظمة الطوارئ التي ابتدعها الانتداب البريطاني في فلسطين سنة 1945.


* ساهر غزاوي، كاتب وصحافي في صحيفة "المدينة" وموقع "موطني 48" (أم الفحم)، حاصل على البكالوريوس في العلوم الاجتماعية والإنسانية من الجامعة المفتوحة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا.

التعليقات